السعودية تخفض الإنفاق لمواجهة تدني النفط- نظرة على الموازنة و أرامكو

المؤلف: عبدالمحسن هلال07.31.2025
السعودية تخفض الإنفاق لمواجهة تدني النفط- نظرة على الموازنة و أرامكو

علمت وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية، وذلك بعد مراجعتها لدراسة معمقة حول السندات السيادية السعودية، أنه في ظل الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط العالمية، فإن المملكة العربية السعودية تعتزم تقليص حجم إنفاقها الحكومي بشكل ملحوظ. وأفادت «بلومبيرغ» في تقرير مفصل، اطلعت عليه صحيفة «عكاظ» الغراء في الأربعاء الفائت، بأن المملكة ستجري تخفيضات جذرية في الإنفاق تصل نسبتها إلى 71%، إذ سينخفض الإنفاق من مبلغ قدره 263.7 مليار ريال سعودي في العام المنصرم إلى حوالي 75.8 مليار ريال في العام الحالي. وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق الحكومي كان يبلغ نحو 370 مليار ريال في العام الذي سبقه. إضافة إلى ذلك، سيتم إلغاء تنفيذ مشاريع تنموية واستثمارية تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 75 مليار ريال سعودي، وذلك بهدف أساسي وهو تضييق الخناق على عجز الموازنة العامة للدولة، وتقليصه من نسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الفائت إلى حوالي 13.5% في العام الحالي. كما تسعى الخزانة العامة إلى تحقيق وفورات مالية من خلال تخفيضات الرواتب والبدلات الأخيرة التي طرأت على موظفي القطاع العام، والتي من المتوقع أن تبلغ نحو 133 مليار ريال. ومع ذلك، تطالب وكالة «بلومبيرغ» بالمزيد من الإجراءات التقشفية وخفض الإنفاق، مع التركيز بشكل خاص على عدم الإفراط في الصرف الرأسمالي المكثف. يثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى إتاحة هذه المعلومات الهامة لوسائل الإعلام المحلية. فإذا كانت هذه النشرة قد وصلت إليهم بالفعل، ولم يتم نشرها أو التطرق إليها، فإن اللوم يقع عليهم بلا شك. وإلا فإن السؤال الذي طرحته في مقال سابق يبقى قائماً وملحاً: لماذا نستقي معلومات اقتصادنا من مصادر ووكالات أجنبية؟ وما هو سر الصمت المطبق الذي تلتزمه وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، والجهات الحكومية الأخرى المعنية بهذا الشأن؟ أين وزارة الاقتصاد مثلاً، وقسمها الإحصائي الذي ينشط في إصدار بيانات هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وأكتفي بهذا القدر من التساؤلات ولا أزيد. في البداية، يجب التذكير بأن وجود عجز في الميزانية ليس بالضرورة كارثة اقتصادية مدمرة، كما يصورها البعض بشكل مبالغ فيه. فالعديد من الدول حول العالم تتعايش مع عجز مزمن في ميزانيتها، بل إن بعضها يعتبر من الاقتصادات الكبرى في العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال. ولكن المعضلة الحقيقية التي تواجهنا تكمن في اعتمادنا شبه الكلي على عائدات النفط كمصدر رئيسي للدخل. وبرأيي المتواضع، فإن الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن تعتبر كافية على المدى القصير، وقد تكون حافزاً لنا لتبني استراتيجيات فعالة لتنويع مصادر الدخل القومي، بدلاً من الاعتماد على فرض الرسوم والضرائب. وعلى المدى البعيد، فإن التدرج المدروس في تطبيق رؤية 2030 الطموحة، والتي ترتكز بشكل أساسي على تقليل الاعتماد على النفط، كفيل بإعادة التوازن إلى ميزانيتنا العامة وتحقيق الاستقرار المالي المنشود. وإذا أضفنا إلى ذلك العزم الأكيد على بيع سندات الدين السيادي بقيمة تقدر بنحو 10 مليارات دولار أمريكي، للمرة العاشرة على التوالي حسبما ذكرت «بلومبيرغ»، يتضح لنا جلياً أن الموارد المالية المتاحة كافية تماماً للتعامل مع الأزمة الحالية المؤقتة وتجاوزها بنجاح. هذه الوفرة المالية المتوقعة تعيدني إلى السؤال الذي يلح عليّ بإصرار حول طرح جزء من أسهم شركة أرامكو السعودية العملاقة للبيع. فإذا سلمنا جدلاً ببيع بعض مصافي الشركة ومعاملها، أو حتى نقاط البيع التابعة لها، بهدف تحقيق المزيد من الوفرة والاحتياط المالي، فلا داعي إطلاقاً لإلغاء الاستثناء الذي تقدمت به أرامكو لعملية البيع ثم عدلت عنه لاحقاً. وبعد تحديد مواعيد مزادات بيع سندات الدين السيادي، يصرح رئيس شركة أرامكو من العاصمة التركية أنقرة، وليس من العاصمة السعودية الرياض أو مدينة الدمام، بأن العام 2018 يعتبر توقيتاً مناسباً لطرح جزء من أسهم أرامكو، وذلك تحسباً لبدء تعافي أسعار النفط العالمية، إذا ما تعافت بالفعل. فإذا تعافت الأسعار، عافاك الله، فلماذا نفكر أصلاً في البيع؟ ولماذا لا ننتظر حتى يكتمل التعافي بشكل كامل قبل اتخاذ قرار البيع؟ لقد مررنا في السابق بأزمات نفطية أشد قسوة، وعانت دول كثيرة من أزمات اقتصادية طاحنة، ولكنها لم تفكر إطلاقاً في بيع جزء من ممتلكاتها أو قطاعها العام. ومن فعل ذلك منها، سقط في متاهة التبعية الاقتصادية للدول الأخرى. بعض هذه الدول أغرتها فكرة الخصخصة، ولكنها عندما خاضت غمارها دون وضع الضوابط والقوانين اللازمة، سقطت في براثن الرأسمالية المتوحشة، وأسقطت معها طبقتها الوسطى التي تعتبر الضامن الأساسي لاستقرار الاقتصاد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة